احب دائما ان احتفظ بذكرياتي السعيدة في مكان قريب...فلا شئ يشبهني وانا اتخبط في الحزن وابحث عن شئ سعيد يعطيني القليل من الطاقة لمواجته...ولاشئ يعطيني تلك الطاقة الا ذكرياتي السعيدة..وذكرياتي السعيدة جدا :)
لم يكن عبد الهادي يمتلك الكثير من الطاقة لمجراتي في الوقوف على الكرسي ثم على الطاولة ثم القفز من فوقها..ومن ثم اعادة الكرة لعدد لايحصى من المرات..كم كان يبدو جميلا وظريفا حين تتورد وجنتاه ويغمره العرق ويصيح من قلبه بيكفي تعبت..ولكني كنت طفلة شريرة ولم اكن لاتوقف قبل ان تدخل ابلة فاطمة مرة اخرى لمزيد من حصص الرسم والغناء واللعب بالمكعبات
عبد الهادي زميل الطفولة وصف الحضانة والذي كنت ارى ان من سماه بهذا الاسم الكبير قد جنى عليه لبقية حياته..فلم يكن اسمه تامر او هيثم او كريم كبقية الاولاد في الصف..وكنت اطلق الكثير من النكات عليه الى ان صرنا اصدقاء لاني قررت انه يبدو ظريفا في القميص الابيض والبنطلون الكحلي
في شهور الصيف التي كنت اقضيها في مصر عندما كان سني لايتعدى الثماني سنوات كنت استيقظ صباحا ويوميا على صوت ابلة فضيلة وهي تحكي حكايات لااتذكرها جيدا...ولكني اتذكر صوتها المطمئن..كنت اسمعه فأعرف انه سيكون يوما جيدا..كانت عمتي تتعمد ان تفتح الراديو كل صباح على صوت ابلة فضيلة لكي تيقظني من نومي..افتح عيناي على الغرفة واشعة الشمس تغمرها..وادرك ان الصباح اتى ومعه تأتي ابلة فضيلة وكوب الشاي باللبن الذي ادمنته بسبب ابي وجدتي وعمتي..تصرخ جدتي من المطبخ وهي تعد الشاي في عمتي لكي تحول الراديو الى اذاعة القران الكريم..واصر انا على ابلة فضيلة ولا يتم التحويل على اذاعة القران الكريم الا عندما تنتهي ابلة فضيلة من حكايتها..ومن ثم انتهي انا من كوب الشاي..فلم اكن كبقية الاطفال الابرياء اشرب الحليب..بل اشرب الشاي كالكبار..فيما يبدو اني كنت استعجل النضوج
لا ادري ما الذي يجعل اللون الاحمر يبدو بهذه الروعة مع الاسود...لعل هذه الروعة هي مادفعتني للبحث عن ذلك الحذاء الاحمر الذي حلمت اني ارتديه في ومعه حقيبة من نفس لونه مع طقم اسود بالكامل مع حجاب احمر في اسود...قبل هذا الحلم الغريب لم اكن اجرؤ على ارتداء اللون الاحمر ابدا حتى وان كان نقطة صغيرة على تنورة او حقيبة...وتذكرت كم كنت احب هذا اللون وانا طفلة..وكيف ان كل اشيائي كانت تحمل لمحة منه....ولعل هذا هو السبب الذي دفعني للبحث عن هذا الحذاء لمدة يوم كامل من الساعة الحادية عشر صباحا وحتى العاشرة مساء..اعترف اني مهووسة قليلا فيما يخص الاحذية..ولكني بالتأكيد لست خطرا على المجتمع ..تعبت انا..وتعبت مروة معي ومازلت لم اجد الحذاء الذي رايته في حلمي...ولكن ذكرى ذلك اليوم لاتفارقني
لايضاهي هوسي بالاحذية الا هوسي بالشيكولاتة ولايكون بحثي عن الاحذية اهم من بحثي عن الشيكولاتة...في ذلك اليوم اخبرتني نادين عن نوع جديد من الشيكولاتة تدخل في مكوناته القهوة بنسبة 46% تقريبا ان لم تخني الذاكرة...زغلل ذلك الخبر عيني ان جاز لي التعبير..صرت ابحث عن تلك الشيكولاتة الرائعة في كل محل وكشك صحف اقابله..وفي كل مرة كنت اقابل بنظرات الاستغراب من الباعة وكأني اطلب لبن العصفور..او نملة عمياء...ظللت ابحث عن هذه الشيكولاتة لمدة طويلة جدا ومازلت لا اجدها وكنتيجة لذلك اصبحت صورتي الاجتماعية في وضع لاتحسد عليه بعد ان وعدت شيماء ونسرين وعمرو بشيكولاتة جديدة وطعم رائع يطير العقول...ولكني في رحلة البحث وجدت الالأف الانواع الرديئة التي لا انصح احد بها مهما كانت كراهيتي له..وبهذا لم تكن رحلة البحث فاشلة تماما
في عيادة طبيب التغذية المشرف على نظامي الغذائي اجلس في الانتظار واقرأ عتبات البهجة...اقرأ بكل جدية..لانه الجزء الذي يخون فيه احمد دنيا مع صديقتها فادية امام عينها..اقرأ بكل تحفز ولكن لا اتعاطف مع اي منهم لاني ببساطة كنت ارى انهم جميعا شلة من المنحرفين..ولكن عيناي دمعت حقا في الجزء الذي انتحرت فيه دنيا مع اني كنت ارى انها مخطئة على طول الخط..ولكن ذلك لم يمنعني من الحزن عليها وعلى حياتها التي كانت ترفضها...وكيف ان علاقتها مع احمد كانت شكل من اشكال الاعتراض على هذه الحياة...اضحك على دعابات احمد وحسن رغما عني..وتدمع عيناي لموت دنيا كل ذلك كان كفيل بأن يلفت نظر الناس الي في حجرة الانتظار...ونظر تلك السيدة بالذات..تبدو صارمة..تبدو قاسية..تبدو سمجة..فجأة ابتسمت وقالت لي...وصلتي للجزء الي دنيا انتحرت فيه مش كدة؟
اهز رأسي ان نعم..وافكر اني اريد ان استأصل من عقلي ذلك الجزء الذي يجعلنا نحكم على الاشخاص من مظهرهم فقط..صارت مدام عزة من اصدقائي القلائل في العيادة
في ذلك اليوم من شهر ابريل على ما اتذكر...انتهت محاضرة الضرائب مبكرة جدا على غير العادة بدون خسائر في الارواح لحسن الحظ...كان موعدي في الكوربة في تمام السادسة مساء...انتظرت كثيرا جدا..انا التي اكره الانتظار ولا اطيقه ولا يصبرني على الانتظار في عيادة الطبيب الا صديقاتي المريضات..ولكني انتظرت على كل حال فلو كان احد اخر لكنت ذهبت منذ زمن..والسبب الاخر اني كنت اريد ان اربح رهاني بخصوص حلواني قويدر..كنت اريد ان افوز بايس كريم على حساب صاحب المحل..وقد فعلت....ولكني تنازلت عن مكسبي لا ادري لماذا...تمشينا الى تلك الكنسية التي لا اعرف اسمها..وجلسنا على محطة المترو الوحيدة التي احتفظت بكراسيها بعد عملية تجديد الرصيف...وتكلمنا في اشياء..لا اذكر الاشياء بقدر ما اذكر الصوت وحركات اليد والضحكات التي ارجو انها كانت من القلب..تجنبت بالطبع نظرات العين لاني كنت اخاف مواجهتها...وكنت اخاف ان لا تكون مثل اول مرة...وكنت اخاف ان لا تكون موجودة من الاساس..كان يوما رائعا اعترف بذلك..ولهذا سوف احتفظ به دائما معي..بغض النظر عما حدث بعده بفترة بسيطة
عندما يعاني احد من اصدقائي من ازمة نفسية او مزاجية..اي مشكلة..احب ان اتحدث اليهم حتى وان كنت لا املك حل لها..لكن مجرد الحديث يشعرني اني ساعدت بطريقة ما...في تلك الليلة تحدثت مع صديقة في مشكلة تواجهها كان رايي انها لايجب ان تفكر مثل هذا التفكير..كان رايي انها مهمة عندي وعند مجموعة كبيرة من الناس..هي مهمة ومحبوبة وغيابها مؤثر..هي انسانة جميلة رغم كل شئ..جميلة من الداخل ومن الخارج...ولكن رغم اني تحدثت معها مطولا الا اني احسست اني لم ابذل كل جهدي باقناعها بأهميتها..فبعض المشاكل لاتحتاج الى كلام كثير... فقط تحتاج الى حضن كبير والى علبة من الايس كريم ذو الحجم العائلي وملعقتين والى فيلم كوميدي ابيض واسود
حلم بسيط يراودني بين الفترة والاخرى ولم اتوصل بعد الى تفسيره...كوب من الشيكولاتة الساخنة...كوب عملاق يصل حجمه الى حجم دولاب ملابسي تقريبا..احلم به احيانا مبتسما واحيانا حانق واحياانا حزين...اخبر ايمان به..فتسألني امتى اخر مرة شربتي كاكاو..فأقول لها ان الطبيب يمنعني من الكاكاو بالطبع...تصرخ في بكل قوتها..غلط يابنتي غلط...الكاكاو ده دوا للنفس العليلة..ومن الواضح جدا ان نفسك عليلة...من يومها صرت اشرب كوب من الشيكولاتة الساخنة تقريبا كل ليلة..ولا اواجه نظرات طبيبي عند قياس الوزن لكي لا اعترف بما افعل
اظن ان من يعرفونني جيدا..ويعرفون حالاتي يعتقدون حتما اني مجنونة او معتوهة على اقل تقدير..ولكني اقسم اني لست كذلك...انا فقط اعاني احيانا من حالة انحراف حاد في المزاج..او حزن..او قلق..او اكتئاب..او خيبة امل..او اختناق..او ملل..او حنين..او ندم...ولكني اعود لحالتي الطبيعية بسرعة احسد نفسي عليها كثيرا...احزن او اقلق او اكتئب فأتذكر كلام شخص ما عن الكأس الممتلئ الى النصف..فأنسى سريعا النصف الفارغ..واتذكر كلام شخص اخر بأني انا من ازيد وهج الامل او اطفئه الى الابد..فأسرع الى التحلي بالمزيد منه لكي لا ينطفئ..اتذكر ان الله رحمن رحيم..اتذكر كلام شيماء ان ربنا حنين قوي...وهذا مايبقيني متشبثة ان اجد سعادتي فيما حصل وفيما سيحصل..ويساعدني على نسيان ما يجب نسيانه...اتذكر جميع من احبوني وجميع من احببتهم لا لغرض معين ولا لمصلحة ولكن لاني احببتهم ببساطة وبدون اسباب...فتعود الي السكينة...وتعود لي الفرحة كأني مازلت طفلة تستمع الى ابلة فضيلة بكل شغف
........................................................
تعديل بسيط قوي
اتضح انه لسوء ظروف التخزين اني نسيت للاسف الشديد امتى كانت مواعيد ابلة فضيلة بالضبط...وبسبب اني كنت بنت ال 8 سنين من زمااااااان قوي..افتكرت انها كانت بتيجي كل يوم...هي الصراحة كانت بتيجي كل جمعة بس
وبسؤال عمتو عن الواقعة دي افادت انها كانت بتفتح الراديو على برنامج اطفال تاني لمتعتها هي الشخصية...ولا انا ولا هي فاكرين ايه هو البرنامج