Friday, April 24, 2009

وصية


اجلس على سيراميك غرفتي البارد بعد يوم طويل في ترتيبها وتنسيق دولاب الملابس..انظر الى دولابي الكبيرو افكر في مدى حاجتي الى كل تلك الملابس والحقائب


لا ادري لماذا افكر في الموت كثيراً مؤخراً..افكر في اشيائي الحميمة..لمن سأتركها وماذا سيكون مصيرها بعدي
دفتري الازرق الكبير الذي يحوي افكاري ومشاعري..انتصاراتي وهزائمي..ربما قطعة من روحي كذلك..خاتمي الفضة ذو الفص الفيروز هدية امي لي...الارنب الابيض الكبير وفيونكته الزهرية هدية دعاء لي...فوزية وريهام.. وسارة اختي..أمي وأبي


اقرر اني سأكتب وصيتي..سأكتب وصية طويلة اشرح فيها كل لحظات ضعفي التي كنت ادعي فيها القوة....سأشرح كذلك لماذا كنت عنيدة جدا في بعض الاحيان..سأعتذر عن كل زلات اللسان التي بدرت مني..وعن لحظات جبني


يقول أحمد دوما ان الموت علينا حق..لا اعتراض لي على كلمته هذه ابدا..ولكن المشكلة انه يأتي فجأة بطريقة لاتمكنك من قول الوداع..نعم الوصية هي فكرة رائعة ولامعة


افكر ان احد لن يستطيع ان يتعامل مع اشيائي بطريقتي..ربما ستفتقدني ان غبت مدة طويلة.. ستفقد لونها والحياة التي تختزنها بداخلها


في وصيتي سأطلب ان لا يبكي احد علي..ربما يبكون قليلا بدون صوت..ولا اريد ان يرتدي احد السواد..طالما احببت الاسود في كل المناسبات ماعدا الجنائز..اشعر انه يزيد الميت موتا ويزيد الحزين حزنا..ولكنه في مناسبات اخرى يمنح الدفء حتماً..ربما يرتدون لونا دافئاً كالاحمر لو توفيت في الشتاء..او لونا منعشا كالاخضر لو توفيت في الصيف


مجموعة ماوراء الطبيعة لدكتور احمد خالد توفيق بأكملها سأتبرع بها لمكتبة مصر الجديدة..عتبات البهجة سيذهب لهبة..فوضى الحواس سيذهب لنادين..ازهار للسيدة هاريس سيذهب لأختي سارة..مصحفي الصغير ستأخده امي ليساعدها على تخطي موتي كما ساعدني في الكثير..كل روايات اجاثا كريستي سـتأخذها سارة ايضا


ملابسي لن يأخذها احد..سأتبرع بها لجمعية خيرية..خصوصاً الجوارب والاحذية والكوفيات الصوفية الثقيلة ماعدا القطنيات..جميع القطنيات تذهب لأختي..اعرف كيف يتحسس جلدها في الصيف من الحرارة الشديدة ولاشيئ كالقطن يساعدها


لا اريد كذلك عادة الثلاثة ايام التي نشتهر بها نحن الجنوبيون..يوم واحد من الحزن علي يكفيني..يوم واحد من البكاء والافتقاد يكفيني..يوم واحد من الانكسار يكفي..يكفي جدا


سأدفن في مدافن عائلة أمي بالتأكيد..تحديداً بجانب أمي زينب


ربما سأطلب من فوزية وريهام ان يقيموا حفلة على شرفي بعد موتي..لا اريدهم ان يجتمعوا ويبدأوا البكاء علي وعلى شبابي الضائع..اريدهم ان يستمتعوا بحياتهم وان أظل بينهم كشبح طيب يستحضر ذكريات جميلة ورائعة وليس كظل شرير يكتم الانفاس ويستحضر الدموع..بعض القران سيفيدني بالتأكيد


جميع مجوهراتي ستقتسمها أمي وأختي وخالاتي وسماء ابنة خالتي


اعرف انها انانية مني ان اتمنى ان اموت قبل أمي وأبي وجميع من أحب..لكني لم أتعامل مع الموت من مسافة قريبة قط كنت كلما اسمع عن موت قريب ما اترحم عليه..احزن قليلا..وأتابع يومي كالعادة..أحمد الله على اني لم احزن حزنا عميقا يقتلعني من جذوري ولا اعتقد اني استطيع ان اتعامل مع حزن كهذا


بعد حزن كهذا اثق في ان الاخرين سيعيشون..سيتذكرون من حين لأخر ولكنهم في النهاية سينسون..في النهاية سيكون جرحهم قشرة رقيقة قبل ان يشفى بالكامل..ولكن انا سيظل جرحي عميقا غائرا قبيح الشكل ينزف طوال الوقت..حتى وان لم يره الاخرون

Monday, April 6, 2009

ليمون وعسل


استيقظ بألم حاد في حلقي..أدرك ان الانفلونزا استولت علي تماما

حين امرض اشعر اني وحيدة..ان الحياة تخلت عني بقسوة غير مسبوقة..اجلس على الهامش في هدوء اتناول ادويتي واشرب الليمون بالعسل..اسعل بشدة..وانتظر

في الثامنة مساء...اختنق في زحام الكوربة...الطريق لايتحرك ويبدو ان جميع من يملكون سيارات في القاهرة قد قرروا ان الكوربة هي جنة الله في الارض...ذلك المكان يصبح متوحشا بحق في المساء اسعل بصوت عالي فتنظر لي السيدة المجاورة شذرا وكأنه ليس من حقي ان افعلها في مكان عام ولكني اواصل سعالي بتحدٍ...منذ فترة طويلة كففت عن التفكير فيما سيظنه الناس بي..فقط افعل ما يحلو لي حينما اريد

لا اقوى على التنفس..اقل حركة تشعرني بالتعب ولكن المتعب حقا هو غياب الحياة في حضرة المرض..لاشئ يشم ولا شئ يذاق..كل الروائح والمذاقات اختفت..حتى طعم المرارة اختفى..فليكن كنت اتذمر دائما اني احتاج الشيكولاتة دائما معي لكي اتغلب على طعم المرارة الذي يرافقني..الان اختفت المرارة..مؤقتا ربما ولكنها اختفت..كل ما احتاجه حاليا هو العسل..اسخر من نفسي وانا افكر اني احتاج العسل ليعيد لي مرارتي التي تعودت عليها وألفتها

حين امرض..تتلقفني الافكار والهواجس..تقيم حفلة على شرفي..تخبرني بشر شديد ان اليوم لا مفر لي منها..استمع الى موسيقى الياس الرحباني وعمر خيرت واحاول الابتعاد عن هواجسي وعن الكوربة وعن ذلك المقعد بجانب الكنيسة الذي اتجاهله كلما مررت به

حين امرض..احتاج الى ان يحضر لي احد ما مجموعة من النكات المضحكة..والذكريات السعيدة..والاخبار الجيدة..والابتسامات الصافية...احتاج الى ان يصنع لي احد كوب كبير من الليمون بالعسل ويقدمه لي..يتحسس جبهتي ليتأكد ان حرارتي عادية.. يغطيني ويجلس بجانبي ليقرء لي رواية نهايتها سعيدة..احتاج الى ان اتحدث والى ان استمع والى ان اضحك

العاشرة مساء..تملؤني رغبة قوية في شرب شيكولاتة ساخنة..لكني اتراجع فلا شي اقسى من المرض الا عدم تمكني من تذوق الشيكولاتة...بعد تفكير استبدلها بكوب بابونج ساخن ظلت امي تنصحني بشربه منذ يوم كامل وانا اتهرب منها

الواحدة صباحا...مذهل مايستطيع ان يفعله بنا المرض..بأجسادنا الواهنة وقلوبنا الاوهن..وارواحنا الهشة...مذهل كيف يمكنه ان يملؤك بالحنين لاشخاص ذهبوا..ولرسائل لم ترسل يوما... يمكنه ان يعصرك ليخرج اكثر ذكرياتك حزنا..يفتح صناديقك الخشبية ليفتش بين الصور القديمة..والاحاديث التي كنت تتحدثها مع نفسك متظاهرا انك تقتسمها مع شخص اخر...حقا مذهل

الثالثة صباحا...احاول ان انام..اقرر انه ليس هناك من مهرب سوى بالنوم..النوم العميق ان تحرينا الدقة..ولمزيد من الدقة..النوم العميق الخالي من الاحلام..ولكني لا افعلها..كالعادة لا افعلها

فقط.. انظر الى تلك الصورة واشرب المزيد من الليمون بالعسل..اتناول ادويتي في استسلام محبب... وانتظر