Saturday, June 13, 2009

مدينة اسمها..القاهرة


السادسة صباحاً..القاهرة تستيقظ بعد ليلة طويلة


القاهرة..المدينة العجوز المنهكة دائماً الصارمة مع اولادها..ولكنها في الصباح تبدو كسيدة عجوز طيبة..هادئة.. سمراء البشرة تملئ التجاعيد وجهها ويديها..تتناول عكازها لكي يساعدها على مواجهة الحياة..ترسم ابتسامة منهكة على وجهها..وربما تتمتم بأذكار الصباح..تمسح بحنان على رؤوس الذاهبين الى اعمالهم وتدعو لهم بالتوفيق


هكذا رأيتها هذا الصباح..طيبة ومسالمة وحنونة


الثانية ظهراً..


مازلت القاهرة تلك السيدة العجوز...ولكنها هذه المرة عجوز شريرة ثائرة الشعر...تلبس رداء اسود..غاضبة دائماً..تبدو كالتنين الذي ينفث النار..تهوى التلاعب بأعصاب الناس..تعشق الخدع الماكرة وتتلذذ بتعذيب المارة بشمسها الحارقة..من يجرؤ على تحديها..فالويل له

الثانية عشر صباحاً...كورنيش النيل


القاهرة تغير جلدها وتتحول الى تلك السيدة العجوز المتصابية بعض الشيئ التي تلطخ وجهها بالاصباغ..ترسم عينيها بكحل اسود ثقيل..وتزين شفتيها بلون احمر صارخ..تلبس ذلك الفستان عاري الكتفين..وتبتسم في دلال لمعجبيها..تطبع على وجنتهم قبلة دافئة..ويحملهم نيلها الى اماكن رائعة..تجعل قمرها مضيئ بشدة..تظل ساهرة الى ما بعد الفجر بقليل تضحك مع هذا وتستمع الى ذاك..وام كلثوم تشدو في الخلفية وتقول لأحد ما انه عمرها


ينتهي اليوم واقع انا في غرام القاهرة...في الحقيقة لقد في وقعت في غرامها منذ اليوم الاول الذي وطئتها قدماي..ولكن
تكمن المشكلة في اني اصبحت قاهرية جداً..قاهرية بطريقة لا تحتمل

انا فتاة قاهرية تماماً..ابنة المدينة النوذجية
التي تنتظر الميني باص الاخضر طويلاً لأن مصروفها لا يكفي دائماً لايقاف تاكسي

انا الفتاة القاهرية التي التصقت بي هذه الصفة منذ سبع سنوات فقط..وكنت قبلها الفتاة الوافدة من الخارج..السائحة بعض الشئ التي لاتعرف كيف ينتظر الناس المواصلات العامة بهذا الصبر وهذه الثقة في عدالة السماء

ولكني الان فتاة قاهرية..اقفز احيانا من الميني باص وهو يتحرك واركبه وهو يوشك على التحرك ايضاً..اعتقد اني كففت منذ زمن عن انتظار ان يتوقف لي تماماً..ربما بسبب ضيق الوقت وربما بسبب انحراف مزاجي الدائم...لا احد يعلم لما افعل في نفسي ذلك..وانا ايضاً لا اعلم..كل ما اعرفه انه يلزمني ان اركب ذلك الميني باص

تحولت الى فتاة عملية...ربما قاسية بعض الشئ...ابنة المدينة التي لاتتحدث مع الغرباء ولاتبادلهم ابتسامة بابتسامة لأنها تخاف كثيرا من حوادث الخطف والسرقة..ابنة المدينة التي لاتجرؤ على ملاعبة طفل يجلس في حضن امه خشية ان تظن الام بها سوء

الحياة في القاهرة؟

ليست بالشئ الرائع دائماً
ان تجبر اجباراً على التكيف والاندماج في حياة انت تعرف يقينا انك لم تخلق لها..ذلك الزحام الشديد الذي يسلبك اي فرصة للحلم..وتلك السيدة الفظة التي تتعمد ان تدوس على قدمك..وذلك اللص الذي تعرف من عينيه انه لص ولكن نضوجك يمنعك من ان اتصرخ وتقول حرامي

في القاهرة..كل شيئ يصبح قاهري وسريع بالتدريج..كل الاشياء تصطبغ بلون عوادم السيارات الكثيفة وتفقد قدرتها على اللمعان..حتى انت..حتى الاحلام تصبح رمادية..باردة..ومقتضبة وكأنها مستعجلة للذهاب الى مكان اخر غير خيالك
في القاهرة ننسى بسرعة شديدة..او نتناسى..ونتعلم ان نتجاوز جروحنا واخفاقاتنا لكي تستطيع الحياة ان تقبلنا مرة اخرى في صفوفها

في القاهرة لاشئ حقيقي تماما...هناك اشياء تشبه الحب..واشياء تشبه الحزن..واشياء تشبه الغضب ولكن لاشئ حقيقي تماماً..لا شيئ يهم سوى ان تلحق بالميني باص القادم ان فاتك الاول

ولكن عندما يأتي وقت الغروب..وتصبح القاهرة متسعدة للاحتفال بأن يوماً اخر مر في سلام...عندها فقط يمكنك ان تقع في غرامها مرة اخرى بسهولة شديدة...تفتح لك ذراعيها وتعدك بأيام قادمة اجمل.. ترسل لك نسمات من الهواء البارد وتعدك بالافضل..فلا تملك الا ان تقع في غرامها مرة اخرى...تغني ام كلثوم وعبد الحليم في خلفية احلامك وتقرأ افكار صلاح جاهين فلا تستطيع الا ان تقع في غرامها مرة اخرى

يرن هاتفك المحمول وانت على كورنيش المعادي فتصبح الحياة اكثر احتمالاً..وتشكر القاهرة مدينتك السحرية على هداياها...تشرب القهوة الممزوجة بالشيكولاتة في ذلك المقهى فتشعر بأنه لا مكان اخر في العالم غير القاهرة يمكنه ان يسع سعادتك وأحلامك هذه الليلة
في الواقع لن يستطيع مكان اخر ان يفعل ذلك..ولن تستطيع انت ان تحمل مكاناً اخر غير القاهرة في قلبك..اعتقد انها ستستولي على كل الفراغ الموجود هناك

:)

Saturday, June 6, 2009

محاولات جدية للسخف..وللحياة


افتقد كوني تلك الفتاة الهادئة التي تكتب كثيراً..التي تشعر ان البشر مخلوقات جديرة بالاهتمام حقاً ويجب الكتابة عنهم بشغف وبحب شديدين...افتقد الفتاة التي تشعر بالوحدة في الزحام والتجمعات فتكتب وتتعرف على المحيطين بها بدون ان تتبادل معهم جملتين كاملتين


افتقد مساحتي الخاصة...افتقد مدونتي وذلك الوهم بأن احد ما يقرأني فعلاً...افتقد شرائي للدفاتر الجديدة في كل اول سنة للكتابة فيها لكنها تظل فارغة لان جهاز الكمبيوتر يحل محلها بسرعة كبيرة..حلم الورقة والقلم الذي ربتني عليه مدرسة اللغة العربية في مدرستي الاعداداية يموت ببطء...قالت لي يوماً: لاتطلبي الكتابة ولا تسعي اليها..هي ستأتي اليك عندما ترى الوقت مناسباً لها


ربما لأني انسانة عنيدة جداً..وربما لأن تلك الشخصية قالت اني اكتب اشياء لامعنى فقد قررت ان اكتب اشياء لامعنى لها اكثر واكثر واكثر..لمجرد العند


لن اكتب عن اشياء مضت..لن اكتب عن قصة رومانسية لم تكتمل..لن افتح دفاتري القديمة وانقل منها صورة انسانة كانت انا فيما مضى..انا ابنة اليوم....رغم انف العالم انا سخيفة وسأظل كذلك


اعود بالتدريج الى مداري..فيروز وقهوة زيادة هذه المرة..بعض الذكريات لن تضر..منير يلطف الاجواء قليلاً..مكالمة هاتفية غير متوقعة تسعدني حقاً وتجعل العالم محتمل قليلاً....ولويس ارمسترونج يقول ان العالم رائع...وفكرة تراودني تقول: ربما لن اتخلى عما اكتبه بهذه البساطة لاعتقادي انها من الاشياء القليلة التي اتوهم اني اجيد فعلها بمهارة..لن اتخلى عما اكتبه فقط لانها اشياء بلا معنى وسخيفة..احب واقع اني مازلت اتمتع بالقدرة على السخف


تملؤني الاحتمالات القادمة ببهجة شديدة..بهجة محتملة..ولكنها حقيقية جدا..بهجة متوقعة ولكنها ملموسة جدا...اعرف ان عودتي للعالم الواقعي ولعبي دور الناضجة لن يطول..قريباً ساعود لانضم لصفوف الحالمين مرة اخرى..عندها فقط ستتحقق الاحتمالات...اعرف اني سأواجه فشلاً ذريعا اذا حاولت ان اكون شخصا ليس انا..اذا حاولت ان اتخلى عن سخفي و عن اشيائي الاساسية التي تجعلني مرتبطة بكوني الصغير


"ده كل يوم فيه الف..الف احتمال"