Saturday, February 28, 2009

أمي زينب


جدتي...ام امي

لم اكن اناديها جدتي..لانها لم تكن بالنسبة لي جدة..كانت ام لذلك كنت اناديها امي..ليس ماما ولكن امي

تقول ماما اني بدأت انادي امي زينب بهذا الاسم عندما تركتني معها لمدة ثلاثة اسابيع وذهبت للحج..عادت لتجدني اقول..امي..كما يقولها أخوالي وخالاتي

لا ادري السبب الحقيقي الذي دفعني للكتابة عنها فأمي زينب من الاشياء المدفونة عميقا في روحي..لا احد ممن اعرفهم يعرف عنها اقل القليل لاني لم اكن اتحدث عنها كثيرا..ربما كنت اخاف ان اخطئ في تذكر تفصيلة من تفاصيلنا الكثيرة معا عندها سأعرف يقينا ان رحلة النسيان قد بدأت

تقول ماما اني اشبهها كثيرا...يقول الجميع اني اشبهها كثيرا في كل شئ

في طريقة تعاملها مع الحياة.. في حسن النية القريب جدا من السذاجة مسيطر على كل تصرفاتها...في"نفسها" في الطبخ..في تفننها في اختراع أكلات جديدة او قضائها فترة الصباح بأكملها في المطبخ لمجرد تطوير اكلة قديمة لا نحب طعمها... في اهتمامها بأقاربها وصديقاتها وحملها "الملاية اللف" بمجرد سماع خبر موت احد معارفها او مرضه او ربما حزنه حزن طفيف

كانت امي زينب سيدة عادية..لم تكمل تعليمها او بالاحرى لم تبدأه قط..تزوجت في سن صغيرة من ابن عمها بالطبع..ام لثلاث اولاد وثلاث بنات تحتل ماما المرتبة الثانية بينهم ..عاشت كل حياتها في حي السيدة زينب..لم يكن بيتها كبيرا ولم يكن يحتوي على حديقة..كان صغيرا وقديما "اثري" ككل شئ تقريبا في ذلك الحي...ولكنه كان رحبا جدا بالنسبة لي لاني لم اكن احتل الا جزء صغير جدا هو حضن امي زينب...حضنها الذي كان يعبق دائما برائحة الصندل ومسك خفيف...حتى هذا المكان كان رحبا جدا بالنسبة لي

عندما كنت اتخيل معنى كلمة دفء..كنت اتخيل بيت السيدة..وامي زينب واقفة في المطبخ تسلق ثلاث دجاجات من الدجاج الذي تربيه فوق السطح..كانت هوايتها الوحيدة هي تربية الدجاج والبط والحمام و الاوز...والذي لم يكن مسموحا لاحد بأكل اي شئ منه ان لم اكن موجودة..وفي كل سنة في شهر رمضان كانت امي زينب تشتري فانوس رمضان وتحتفظ به لي به فوق "بلتكانة" الستارة...يظل الفانوس في مكانه هذا الى ان يحين موعد وصولنا في الصيف..عندها فقط كان الفانوس يتحرك من مكانه..اعتقد اني لم افرح بشي بقدر فرحتي بهذه الفوانيس المؤجلة

اليوم...وجدت صورة قديمة لي وانا حديثة الولادة وامي زينب تحملني وهي فخورة وكأنها تحمل جائزة ما...كانت مبتسمة ولكن اثر الدموع في عينيها كان واضحا..هكذا كانت..تبكي وهي سعيدة..وتبكي وهي حزينة..هذا شئ انا اكيدة تماما اني ورثته منها
اليوم ايضا..بكيت عندما لم اقدر ان استعيد ملامح وجهها وابتسامتها بدون الرجوع لتلك الصورة

عانت امي زينب كثيرا من ظلم بعض الناس لها ومن مرارة بعض الاحزان ومن فراق من تحبهم....ولكني لم ارى احدا يسكن في قلبه هذا الكم من الرضا كما رأيته يسكن قلبها...ولم اعرف معنى كلمة رضا كما عرفتها من امي زينب...لم تكن تدعي الرضا ولكنها بالفعل كانت راضية عن كل شئ حتى اخطائها...كانت خالتي-عندما تغضب منها- دائما تطلب منها ترك تلك السلبية والتصدي لمن يريد اذيتها واذية اولادها..وعندما ترى خالتي انه لا فائدة من الحديث وتذهب..كنت اسألها "ليه يا أمي مش بتعملي زي ماخالتو بتقول علشان متزعلش منك"
كانت تنظر الى السماء وتتمتم ببعض الادعية...عندها كنت أرى نظرة الرضا تلك في عيناها.. اذكر انها كانت تحتضنني بشدة اكبر وتصمت..وحدي كنت اعرف انها لن تفعل شيئا سوى البكاء فيما بعد بمفردها..وحدي عرفت انها كانت تنتظر قوة اكبر منها ومن الجميع

في ذلك الشتاء كانت مدينة الرياض ابرد من العادة...في ذلك الشتاء تلقينا خبر موت امي زينب..وقتها كنت في الصف الاول اعدادي فقط...
انهارت امي تماما ولم يكن بمقدورها ان تشرح لي او لسارة معنى الموت... ولكني فهمت بمفردي معنى الموت..موتها هي بالذات..ادركت بدون مشقة انها ذهبت الى السماء التي كانت تنظر اليها كثيرا عندما تبكي ..

ماتت امي زينب وهي لم ترى معظم اولادها..بسبب السفر والغربة..ماتت وانا لا أملك منها الا صورة قديمة لي ولها..وتهويدة حفظتها منها..اغنيها لجميع احفادها الذين ولدوا بعد ان ذهبت

.وعندما سألتني سارة بكل براءة "هو في ايه؟"
"امي ماتت ياسارة".."انا مش بحب الغربة ياسارة علشان امي ماتت واحنا مش معاها"

"يعني ايه غربة دي؟"

"غربة يعني حد بتحبيه قوي قوي يموت وانتي متقدريش تحضنيه وتبوسيه"

Saturday, February 21, 2009

دفاعا عن الشر


لطالما كنت اتسائل لماذا يجب ان يتحمل الشرير في الافلام اللوم على جميع المصائب التي تحصل للبطل والبطلة ..وربما يتلقى اللوم على المصائب التي تحصل للمنتج والمخرج والمشاهدين كذلك

لماذا يجب ان يحسبن عليه البطل وهو يسبل عينيه في تقوى زائفة بينما يقف خلف القضبان بسبب القضية التي لفقها له الشرير ليفوز هذا الاخير بحبيبة البطل المذكور والتي غالبا ما تكون بارعة الجمال خاوية العقل كدجاجة كما جرت العادة

لطالما كنت اتسائل...لماذا لم يستخدم البطل عقله ..ذلك الانذار المثبت في مؤخرة رأسه ليعرف نوعية ذلك الشخص...لماذا يجب ان يثق في الناس بهذه السذاجة ففي النهاية ليست الحياة ذلك المكان المسالم كما يتوقع البعض


والبطلة..ماذا عن البطلة...الايوجد ما يدعى بالتفكير المنطقي يا اخوان؟


كيف يمكنها ان تصدق وعوده بأنه سيخرج حبيبها السابق ذكره من غياهب السجون وهو السبب الاساسي في دخوله السجن من الاساس..ولماذا تذهب اليه دائما في وقت متأخر من الليل والامطار موشكة على الهطول...دوما موشكة على الهطول حتى وان كنا في شهر اغسطس


تذهب اليه لتجده يلبس ذلك الروب الحريري القبيح-احمر اللون غالبا-وهو يفتحه قليلا ليظهر صدره المشعر وهو دليل على الرجولة والعنفوان كما يبدو...تجده وهو يقشر التفاح الاحمر بخنجر ما ويشرب منقوع البراطيش ذاك في كأس صغير لا يروي عطش طفل رضيع وهو يدعوها للشرب معه


في حين يكون باب غرفة نومه مفتوح على مصرعيه كاشفا عن سريره العريض كناية عن الاشياء المروعة التي ستحدث بعد قليل


برغم كل تلك المظاهر وبرغم شاربه الرفيه الذي يشي كم وغد وزنديق تذهب اليه لتخبره بكل شجاعة وبسالة ما نعرفه جميعا...بل ما يعرفه هو شخصيا


ممدوح برئ يا مراد


ولكن قبل ان تكمل جملتها التي استغرقت في حفظها شهرا بأكمله يكون باب غرفة النوم قد انغلق عليهما وازدادت حدة هطول الامطار وقوة الربق والرعد...دليلا على الاشياء المؤسفة التي تجري بالداخل


في الحقيقة لا الوم الشرير كثيرا...بل الوم عقل الدجاجة تلك على تصديقه بعد كل ما جرى بعد ان تأكدت انه فقط ينقصه الشوكة والقرون ليصبح شيطانا بالكامل


ولماذا تذهب اليه في الليل...ولماذا تذهب وحيدة..الم يمكن ان يذهب معاها أخوها حمادة..صبي المكوجي..ابن الجيران...اي انسان


وفي يوم اصدار حكم الاعدام على ممدوح البرئ من تهمة قتل محولجي السكة الحديد...تولول امه بصوت يشبه جرس الانذار..ويدعو ابوه على ابن الحرام اللي رماه الرمية دي...وتأتي البطلة المطعونة في قلبها وشرفها بفستان اسود وحذاء اسود استعدادا لموت الحبيب...ترمي الشرير بنظرات نارية وتذهب لتعترف لحبيبها المظلوم بما فعله بها ذلك الزنديق وترجوه ان ينساها ولا يفكر بها بعد الان لانها لم تعد تناسب وضع حضرته بعد ما كان بينها وبين ابو رجل مسلوخة ولكنه وبكل شهامة ونبل وفروسية يرفض ذلك تماما ويعترف لها بأنها حبه الوحيد والاخير-طبعا الاخير لانه سيموت بعد قليل-ويدخل في نوبة قوية من التسبيل لها


وقبل ان ينطق القاضي حكم الاعدام..وفي تطور درامي رائع في الاحداث يكتشف وكيل النيابة ان الشعرة التي وجدوها في يد محولجي السكة الحديد لا تخص ممدوح انما تخص مراد ذلك الزنديق الذي يستعمل صبغة بايجون...تكون النهاية الغير متوقعة-طبعا-بأن يدخل الشرير السجن ليحاكم محاكمة عادلة ويعدم ويعيش البطل والبطلة في سعادة ابدية بدون اي مشاكل ولا مشاجرات بسبب مصروف البيت


تعلمنا الروايات دائما ان الشر ينهزم في النهاية والكلمة الاخيرة تكون للخير لأن الشر ضعيف ومهترئ دوما...ولكن من قال ان الروايات صادقة ..ومن قال انها تحاكي واقعنا

ليست غلطة الشر انه وجد له مكانا في حياتنا ولكنها غلطة الخير..بضعفه وسلبيته وصوته الضعيف دائما...الخير هو من يتيح للشر ان يكون شرا

ولذلك ادافع عن الشر يكفيه ما يعانيه من اتهامات باطلة بسبب قلة عقولنا وجهلنا احيانا واعتقادنا ان الطيبة =سذاجة